آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم: 367/ 2019م: في حكم استعمال بعض الأدوية المفترة

السؤال: ملخص الاستفتاء: لنا ابن عم يبلغ حوالي 30 سنة توفي أبواه وليس له من الرحم إلا بنو العم به جنون حاد وفوق العادة تلقى العلاج في طب الأمراض العقلية مرارا ، ويعاوده في السنة مرارا ويشتد عليه أحيانا والغريب في هذا الولد امتناعه عن استعمال الدواء ولو كلف ذلك ما كلف ومن حرصنا على دوائه استعملنا جميع أنواع الأدوية التقليدية بما في ذلك الرقى ( الحجاب ) ولم ير شفاء إلى حد الآن مع أسفنا الكامل
وقد عانينا منه مشاكل كثيرة فتارة يكون في ذاته يتعرض للضرب والإهانة ومن آخر ذلك اعتداء على السفارة الفرنسية حيث دخل عليهم ليلا بعد تسلقه جدارها وضربوه ضربا مبرحا وقدموه للشرطة مدعين أنه إرهابي وبعد بحث طويل دام 20 يوما توصلوا إلى أنه غير ذلك. وهذه الإرهاصات أصبحنا نحن ضحيتها بما في ذلك الاستجوابات والأسئلة والرقابة.........)، وهذا قليل من كثير أقحمنا فيه.
وعلى جردنا لهذه الوقائع يتحدد سؤالنا لهيأتكم الموقرة :
هل هذا الولد الذي هكذا حاله يمكننا أن نحافظ على نفسه ؟ أولا ثم ما نعانيه نحن من جراء أفعاله التي ذكرنا بعضها سابقا باستعمال بعض الأدوية الحديثة التي تسمى ( المفتر) أو مواد تحاكي ذلك تحد من هذه التصرفات بما لا يضره ؟
وسيكون ذلك بعد استشارة الطبيب الحديث .

الجـواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛
أما بعد: فإن الأصل في الجمادات التي من ضمنها النباتات الطهارة والحلية إلا ما استثناه الشرع. ومن ضمن ذلك الاستثناء ما عرف بالمفتر فإن حرمته ليست لعينه بَلْ لِضَرَرِه فهو طاهر حلال بأصله ممنوع بالعارض جاء في تعريف المفتر أنه : ما يحدث فتورا في الجسم ولينا في المَفَاصِل واسترخاء في الأعصاب ويضعف الجفن ويكسر الطرف.
ولهذا ورد في حديث أم سلمة: " نهيه صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومُفَتِّرٍ"، وقد ذكر بعض المعاصرين ممن لهم خبرة أن له تأثيرا على المواد الكثيرة والمتنوعة المبثوثة في جسم الإنسان لتدافع عنه ما يعرض له من الأدواء والجراثيم حيث يشل حركة تلك المواد عن المقاومة بالإضافة إلى ما يخلفه من فتور واسترخاء في الأعضاء يمنعها من مزاولة الأعمال الاعتيادية.
فعلة منعه إصابة مستعمله بما ذكر من الضعف والقصور والاسترخاء وما عهد في ذلك من كونه مقدمة لزوال العقل المتفق على وجوب المحافظة عليه؛ لهذا كان الحكم مرتبطا بما يوذن به الاشتقاق على ما نص عليه الإمام القرافي وغيره.
ومن المعروف تفاوت الضرر في المتناول منه بحسب الكمية المستعملة لا سيما في المستحضرات الدوائية.
وقد فرق أهل العلم بين استعمال هذه المادة لمجرد اللهو والتشهي فيمنع للضرر أو للانتفاع بها كالتداوي بها من ضرر أشد فيجوز كما نص شراح المختصر على جواز استعمال القليل الذي لا يغيب العقل منها.
ولئن وجد الخلاف قديما في جواز الاستشفاء بالممنوعات عند عدم البديل الحلال نظرا إلى الموازنة بين المنع المحقق فيها والشفاء المحتمل فقط باستعمالها فلعل ذلك لم يعد منطبقا على عصرنا الحالي الذي أصبح الطب فيه متطورا بفعل التجارب المتكررة التي حصل بواسطتها إن لم يكن اليقين فغلبة الظن .
وقد علم بالاستقراء اعتبار كل من اليقين وغلبة الظن مناطا للأحكام الشرعية كما قال الشاطبي: "وَالْحُكْمُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ أَصْلٌ فِي الْأَحْكَامِ".
هذا بالإضافة إلى ما عهد في تصنيع المستحضرات الدوائية المعاصرة من مراعاة للحجم المعطي لنتيجة أفضل من مضاعفاته الضارة.
ومن القواعد الفقهية المتفق عليها : الضرورات تبيح المحظورات وأصلها قوله تعالي:[وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه].
وقد ورد في قواعدنا الفقهية أن الضررين إذا لم يمكن محيد عن أحدهما ارتكب أخفهما تقليلا للمفسدة، قال في المراقي :
وارتكب الأخف من ضررين وخيرن لدى استوا هذين
وقد نص فقهاء المذاهب على جواز التَّدَاوِي بِما اختلط بخمر عِنْدَ فَقْدِ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ التَّدَاوِي مِنْ الطَّاهِرَاتِ بِشَرْطِ إخْبَارِ طَبِيبٍ عَدْلٍ بِذَلِكَ ومَعْرِفَتِهِ لِلتَّدَاوِي بِهِ.
كما نصوا على جواز التداوي بالمرقد للضرورة بسقيه لأجل قطع عضو تفاديا للألم .
وهذا منهم إعمال للقاعدة الآنفة الذكر: ارتكاب أخف الضررين.
وبناء على ما سبق من اعتبار الضرورة مبيحة للممنوع، والأخذ بأخف الضررين عند الموازنة بينهما، والقول بجواز التَّدَاوِي بالممنوع عند عدم البديل المباح والاستناد إلى طبيب ثقة بالإضافة إلى تطور الطب المؤدي إلى غلبة الظن على الأقل بالنتيجة في الدواء، علما بأن المحذور الأكبر عند الفقهاء الأقدمين من هذه المادة ما تحدثه من زوال عقل وهو أمر حاصل للمسئول عنه قبل استعمالها إضافة إلى مراعاة تقليل كميتها في المستحضرات فإن هذا الشخص الذي ذكرتم أنكم عالجتموه بالرقى والأدوية العصبية عند المستشفيات المتخصصة مرارا ولم يعط ذلك نتيجة في تراجع عقله وذكرتم ما يقوم به من تصرفات تعود عليه وعليكم بالضرر العظيم وعجزتم عن السيطرة عليها.
إذا كان بهذه الصفات وتم عرضه على طبيب ثقة عارف ونصحه بدواء من هذا القبيل وكان القدر المستخدم منه غير مسكر أصلا ولم يوجد بديل حلال يقوم مقامه فلا مانع منه.

والله أعلم.

بـــحــث
     
 خدمات