آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم:141/ 2014م: الفرق بين الوقف والحبس وحكم كل منهما

السؤال: ما هو الوقف؟ وما الفرق بينه والحبس؟ وما حكم كل منهما؟ وهل يمكن للشخص الرجوع عن الوقف بعد التلفظ به أو كتابته؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه؛
وبعد: فإن هذا الاستفتاء اشتمل على أربعة أسئلة:
والجواب على الأول منها: أن التحبيس أمر ندب إليه الشرع ورغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
وقال ابن رشد في المقدمات: فالأحباس سنة قائمة عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده، وقد قيل لمالك: إن شريحا كان لا يرى الحبس ويقول لا حبس عن فرائض الله، فقال مالك: تكلم شريح ببلاده ولم يرد المدينة فيرى آثار الأكابر من أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، والتابعين بعدهم هلم جرا إلى اليوم؛ وما حبسوا من أموالهم لا يطعن فيه طاعن؛ وهذه صدقات النبي صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط؛ وينبغي للمرء ألا يتكلم إلا فيما أحاط به خبرا .
والحبس والوقف لفظان مترادفان يطلقان على حقيقة شرعية ولغوية واحدة؛ قال محمد بن رشد: فأما الحبس والوقف فمعناهما واحد لا يفترقان في وجه من الوجوه .
وقال محمد بن قاسم الأنصاري، أبو عبد الله، الرصاع: الفقهاء بعضهم يعبر بالحبس وبعضهم يعبر بالوقف، والوقف عندهم أقوى في التحبيس وهما في اللغة لفظان مترادفان يقال وقفته وأوقفته ويقال حبسته ، وعليه فلا فرق بينهما لا في الحكم ولا في الحقيقة اللغوية، والمراد بهما شرعا، على ما قاله ابن عرفة في حدوده " إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه ولو تقديرا" .
ولا يصح الرجوع عن الوقفية إذا ما صدر من الواقف ما يقتضيها من لفظ أو كتابة، إذ بمجرد صدور لفظ يقتضيها من طرف المحبس تعلقت بها حقوق للمحبَّس عليه كما تعلق بها حق الله تعالى فلا يمكن الرجوع عنه والحال هذه كما هو جلي، ويجبر على التمكين من الحوز إن أباه.
قال المواق، ابن رشد: لا خلاف أن من حبس أو وهب أو تصدق أنه لا رجوع له في ذلك ويقضى عليه بذلك إن كان لمعين اتفاقا ولغير معين باختلاف انتهى .
وقال الدسوقي: ولزم ـــ يعني الوقف ـــ أي ولو لم يحز فإذا أراد الواقف الرجوع فيه لا يمكن، وإذا لم يحز عنه أجبر على إخراجه من تحت يده للموقوف عليه .

وبالنسبة للسؤال الثاني: وهو هل يجوز للشخص أن يحبس على بعض أولاده دون بعض وعلى الذكور دون الإناث؟
فالجواب: أن الشخص يكره له أن يخص بعض أولاده بالحبس دون بعض لما فيه من عدم العدل بين الأولاد، وإن كانت الخصوصية للذكور دون البنات تأكدت الكراهة لما في ذلك من سمات الجاهلية الذين يؤثرون الذكور على الإناث إيثارا مذموما، أو بطل الوقف على ما نص عليه خليل في مختصره:"أوعلى بنيه دون بناته " .
قال الدردير: وما مشى عليه المصنف ــــــ يعني من عدم الصحة ـــــ أحد أقوال، وعلل بأنه يشبه فعل الجاهلية من حرمان البنات من إرث أبيهن ورجح بعضهم الكراهة فيمضي وهو رأي ابن القاسم وعليه العمل وصرح الشيخ أبو الحسن بأن الكراهة في المدونة على التنزيه .
وقال الدسوقي: نصها: ويكره لمن حبس أن يخرج البنات من تحبيسه قال أبو الحسن وابن ناجي وابن غازي الكراهة على بابها فإن وقع ذلك مضى وقيل إنها للتحريم وعليه إذا وقع فإنه يفسخ، واعلم أن في هذه المسألة وهي الوقف على البنين دون البنات أقوالا: أولها البطلان مع حرمة القدوم على ذلك؛ ثانيها الكراهة مع الصحة والكراهة على بابها؛ ثالثها جوازه من غير كراهة؛ رابعها الفرق بين أن يحاز عنه فيمضي علي ما حبسه عليه، أو لا يحاز فيرده للبنين والبنات معا؛ خامسها ما رواه عيسى عن ابن القاسم حرمة ذلك فإن كان الواقف حيا فسخه وجعله للذكور والإناث، وإن مات مضى؛ سادسها فسخ الحبس وجعله مسجدا إن لم يأب المحبس عليهم فإن أبوا لم يجز فسخه ويقر على حاله حبسا وإن كان الواقف حيا. والمعتمد من هذه الأقوال ثانيها كما قال الشارح ومحل الخلاف إذا حصل الوقف على البنين دون البنات في حال الصحة وحصل الحوز قبل المانع، أما لو كان الوقف في حالة المرض فباطل اتفاقا ولو حيز؛ لأنه عطية لوارث، أو كان في حال الصحة وحصل المانع قبل الحوز فباطل اتفاقا ومحله أيضا ما لم يحكم بصحته حاكم ولو مالكيا، وإلا صح اتفاقا؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف .
وعسى إذا ما كان التخصيص المذكور واقعا على حسب معايير شرعية كما إذا كان على حسب احتياج المخصَّص مثلا أو ضعفه أن يكون في ذلك مبرر شرعي يرفع الكراهة المذكورة، والله أعلم.
وبالنسبة للسؤال الثالث: وهو كيف تكون رعاية وصيانة الوقف إذا خيف عليه التلف؟ وهل يجوز لمن يقوم بمصالحه أن يأخذ منه أجرة مقابل الرعاية والعمل؟
فالجواب: أن رعاية الحبس وتسييره إذا خيف عليه التلف يكونان على وجه يجمع بين استمرارية تصدق الواقف وحفظ المال فلا يخرج به عن مقصود الواقف ما دام في حدود حفظ المال وصيانته، وللقاضي أن يحدد بالاجتهاد أجرة للقائم عليه إذا ما اقتضت مصلحة الوقف ذلك.
قال الحطاب، قال ابن عرفة: والنظر في الحبس لمن جعله إليه محبسه المتيطي يجعله لمن يثق به في دينه فإن غفل المحبس عن ذلك كان النظر فيه للحاكم يقدم له من يرتضيه ويجعل للقائم به من كرائه ما يراه سدادا على حسب اجتهاده .
وقال الدردير: فيولي صاحبه من شاء إن كان حيا، وإلا فالحاكم فإن لم يجعل ناظرا فإن كان المستحق معينا رشيدا فهو الذي يتولى أمر الوقف، وإن كان غير رشيد فوليه، وإن كان المستحق غير معين كالفقراء فالحاكم يولي عليه من شاء وأجرته من ريعه وكذا إن كان الوقف على كمسجد .
وفي الدسوقي: ذكر البدر القرافي أن القاضي لا يعزل ناظرا إلا بجنحة وللواقف عزله ولو لغير جنحة وفيه أيضا أن للقاضي أن يجعل للناظر شيئا من الوقف إذا لم يكن له شيء، وإفتاء ابن عتاب -بأن الناظر لا يحل له أخذ شيء من غلة الوقف بل من بيت المال إلا إذا عين الواقف له شيئا ضعيف .
وبالنسبة للسؤال الرابع: وهو هل يمكن بيع الوقف؟ أو إبداله والتصرف فيه لمصلحة؟
فالجواب: أن الحبس بالنظر إلى جواز بيعه ينقسم ثلاثة أقسام:
قسم يمنع بيعه إجماعا وهو المساجد؛
والقسم الثاني العقار من غير المساجد وهو مثلها في منع البيع ولو خربا إلا لتوسيع مسجد أو طريق أومقبرة، قال خليل في المختصر عاطفا على الجائزات عطف مغايرة: "لا عقار وإن خرب ونقض ولو بغير خرب إلا لتوسيع كمسجد ولو جبرا" .
قال الدسوقي: "ورد المصنف بالمبالغة على رواية أبي الفرج عن مالك إن رأى الإمام بيع ذلك لمصلحة جاز ويجعل ثمنه في مثله وهو مذهب أبي حنيفة أيضا فعندهم يجوز بيع العقار الوقف إذا خرب ويجعل ثمنه في مثله" .
وفي شرح الخرشي: قال مالك لا يباع العقار الحبس ولو خرب وبقاء أحباس السلف داثرة دليل على منع ذلك ؛
القسم الثالث ما يجوز بيعه وهو ما سوي ذلك من الدواب والثياب ...فإذا ما دعت مصلحة الوقف إلى بيع شي ء من ذلك جاز بيعه وجعل ثمنه في مثله مما هو أكثر غلة وأوفر نتيجة على المحبس عليه فإن لم يف ثمنه بمثله جعل في شقصه إن أمكن وإلا تصدق بذلك الثمن على المحبس عليه وكل ذلك تحت رعاية القاضي ونظره، قال خليل في المختصر: وبيع: ما لا ينتفع به من غير عقار في مثله أو شقصه كأن أتلف وفضل الذكور وما كبر من الإناث في إناث .
وقال المواق: روى ابن القاسم: ما سوى العقار إذا ذهبت منفعته التي وقف لها كالفرس يكلب أو يهرم بحيث لا ينتفع به فيها " أو الثوب يخلق " بحيث لا ينتفع به في الوجه الذي وقف له وشبه ذلك أنه يجوز بيعه ويصرف ثمنه في مثله ويجعل مكانه، فإن لم يصل إلى كامل من جنسه جعل في شقص من مثله.
وقال ابن وهب عن مالك: وكذلك الفرس يكلب ويخبث. قال ابن القاسم: وما بلي من الثياب المحبسة ولم يبق فيها منفعة بيعت واشتري بثمنها ثياب ينتفع بها فإن لم تبلغ تصدق به في السبيل .
وقال محمد بن جزي:" والأحباس بالنظر إلى بيعها على ثلاثة أقسام (الأول) المساجد فلا يحل بيعها أصلا بإجماع (الثاني) العقار لا يجوز بيعه إلا أن يكون مسجدا تحيط به دور محبسة فلا بأس أن يشتري منها ليوسع به والطريق كالمسجد في ذلك وقيل أن ذلك في مساجد الأمصار لا في مساجد القبائل وأجاز ربيعة بيع الربع المحبس إذا خرب ليعوض به آخر خلافا لمالك وأصحابه (الثالث) العروض والحيوان قال ابن القاسم إذا ذهبت منفعتها كالفرس يهرم والثوب يخلق بحيث لا ينتفع بهما جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله فإن لم تصل قيمته إلى كامل جعلت في نصيب من مثله وقال ابن الماجشون لا يباع أصلا" .

والله الموفق.

بـــحــث
     
 خدمات