آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم :245/ 2017م: في بعض أحكام الإلحاق

السؤال: مطلقة ادعت الحمل بعد سنتين وأربعة أشهر من طلاقها الذي لم تتزوج بعده، فهل الولد لاحق بالمطلق أم لا؟ وهل يعتبر شرعا ما يؤدي إليه الفحص من مطابقة الجينات الوراثية؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه؛
وبعد: فإن العدة المطلوبة في الطلاق إنما شرعت من أجل التأكد من براءة الرحم مخافة اختلاط المياه فيقع اللبس والغلط في الأنساب، وقد وضع الشارع علامة على ذلك هي الأقراء أو المدد الزمنية القائمة مقامها، ودلالة هذه العلامات على البراءة أكثرية لا قطعية ولذا فهي معتبرة ما لم تعارض بخلاف ذلك مما تحتمله العادة ويتشوف له الشارع. من هنا نص أهل المذهب على التفريق بين المطلقة المرتابة بتأخر الحيض عدتها سنة بينما المرتابة بجس بطنها لا تنقضي عدتها إلا بزوال تلك الريبة أو انقضاء أمد الحمل، والحامل تحيض عند مالك.
وقد تضافر نصوص المالكية على أن ما تأتي به المطلقة من ولد بعد العدة في أمد الحمل يكون لاحقا بزوجها ما لم ينتف منه بلعان هذا إذا لم تتزوج أَوْ تَزَوَّجَتْ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِنْ عَقْدِ الثَّانِي، ففي المدونة: كل معتدة من طلاق أو وفاة تأتي بولد وقد أقرت بانقضاء عدتها فإنه يلحق بالزوج ما بينها وبين خمس إلا أن ينفيه الحي بلعان . وفي المختصر: (وإن أتت بعدها بولد لدون أقصى أمد الحمل لحق به إلا أن ينفيه بلعان) .
قال شارحه الخرشي: يعني أن المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة إذا انقضت عدتها بالأقراء أو بالأشهر ثم أتت بولد لدون أقصى أمد الحمل من يوم انقطاع وطئه عنها ولم تكن تزوجت بغير صاحب الحمل أو تزوجت قبل حيضة أو بعدها وأتت بولد لدون ستة أشهر وما في حكمها من عقد الثاني فإن الولد يلحق بصاحب العدة حيا أو ميتا إلا أن ينفيه الحي بلعان ولا يضرها إقرارها بانقضاء عدتها؛ لأن دلالة الإقرار على البراءة أكثرية والحامل تحيض ويفسخ نكاح الثاني ويحكم له بحكم الناكح في العدة .
هذا وقد اختلف أهل المذهب في هذا الأمد على أقوال عدة، لأن المستند في ذلك التجربة، وقد تختلف باختلاف البيئات والأشخاص، قال خليل مشيرا إلى هذا الخلاف في شأن ما تمكثه المرتابة بجس في بطنها: [وتربصت إن ارتابت به، وهل خمسا أو أربعا؟] خلاف .
قال الدسوقي: سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها، وقوله: إن ارتابت به أي إن شكت فيه بسبب جس في بطنها ثم قال كل هذا ما لم يتحقق أن حركة ما في بطنها حركة حمل، وإلا لم تحل أبدا كما في شب .
وقال ابن عرفة: المرتابة في الحمل بجس بطن، عدتها بوضعه أو مضي أقصى أمد الحمل مع عدم تحققه، وفي كون أقصاه أربع سنين أو خمسا؛ ثلاث روايات: القاضي: سبع، وروى أبو عمر: ستا. اللخمي: روى أشهب: تبقى ما دامت ترى الدم أبدا حتى تنقطع ريبتها .
وروي أن مالكًا ولد لسنتين، وقيل: أقام في بطن أمه ثلاثين شهرًا .
وفي الحطاب: وإذا صح عن بعض النساء أنها، ولدت لأربع سنين، وأخرى لخمس، وأخرى لسبع جاز أن تكون الأخرى لأبعد من ذلك .
هذا ولا اعتبار بما تؤدي إليه الكشوف الطبية من توافق في الجينات الوراثية إلا فيما يلجأ فيه إلى القرائن، ولا يطالب بها إذ لم يرد دليل بذلك، بل مقتضى الدليل خلافه، لان النبي صلي الله عليه وسلم قد تحقق أن أحد المتلاعنين كاذب، وكان قادرا على الاطلاع عليه، لكن أخبر أن الحكم الشرعي بالظاهر وأنه لا ينقب عن الباطن، وقد لاحت القرائن بكذب المرأة من خلال نعته صلي الله عليه وسلم، ومع ذلك أجري الحكم على الظاهر فأناط الولد بصاحب الفراش ولم يعتبر ذلك الشبه البادي بينه وبين من رميت به، ولم يعاقب المرأة ولم يجعل حملها ابن زنا ، وإنما كان ابن لعان عملا بالظاهر .
وقد كان نعته صلى الله عليه وسلم وموافقة القدر إياه أولى بالتصديق والاعتماد عليه من هذه الكشوف.
ولو قلنا باعتبارها لزم مصادمة النصوص قرآنا وسنة، إذ بمقتضاها ينتفي الولد عن صاحب الفراش ولا يحتاج في ذلك للعان، وتقام الحدود من غير بينة، وتخضع الأحكام للتنقيب عن الباطن دون أن تناط بالظاهر.
قال ابن العربي في الكلام على حديث: (الولد للفراش): حديث عظيم وأصل في الشريعة قوي فائدته بيان النسب الذي جعله الله حكمة للخلق للتعارف ثم للتعاضد وأصله البعضية ولكنها لما كانت خفية نصب الله عليها للخلق علماً ظاهراً وهو الفراش على سنته في حكمته ولطفه بخليقته في وضع الأشياء الظاهرة علماً على المعاني الخفية التي تفرد بالاطلاع عليها دوننا، وقد قدمنا لكم منها نظائر كالحيض في براءة الرحم، وصورة السفر في تحقيق المشقة التي رتب الله عليها الرخصة في القصر والفطر .
وفي حديث ابن عباس: أن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في شأن المتلاعنين: «اللَّهُمَّ بَيِّنْ» فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ، فَلاَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا .
وفي حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا، كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ، فَلاَ أُرَاهَا إِلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ، ذَا أَلْيَتَيْنِ، فَلاَ أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى المَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ . ومع هذا لم يجعله صلي الله عليه وسلم ابن زنا، ولم يقم على المرأة الكاذبة الحد.
قال الطيبي: وفي الحديث دليل على أن الحاكم لا يلتفت إلى المظنة والأمارات، وإنما يحكم بظاهر ما تفتضيه الحجج والأيمان .
وقال الخطابي: وفيه دليل على أن الإمام إنما عليه أن يحكم بالظاهر وإن كانت هناك شبهة تعترض وأمور تدل على خلافه، ألا تراه يقول لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن .
وقال ابن حجر: وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ وَأَمْرُ السَّرَائِرِ مَوْكُولٌ إِلَى الله تَعَالَى .
وقال النووي في كلامه على حديث أم سلمة : [إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار]: فيه أنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر، فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر، وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، وفي حديث المتلاعنين لولا الأيمان لكان لي ولها شأن، ولو شاء الله تعالى لأطلعه صلى الله عليه وسلم على باطن أمر الخصمين، فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين. لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره ليصح الاقتداء به وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن والله أعلم .
وبناء على ما سبق فإن حمل هذه المطلقة التي ذكرتم في السؤال أنه ظهر بها بعد مضي عامين وزيادة من يوم الطلاق، هذا الحمل لاحق بزوجها المطلق ولا ينتفي عنه إلا بلعان ولا يضرها إقرارها بانقضاء عدتها لأن براءة الرحم بذلك أغلبية لا قطعية كما رأينا، ولا التفات لما تظهره الكشوف من خلاف ذلك لأن الأحكام إنما تناط بالظواهر لا بالخفيات، ولتشوف الشارع لثبوت النسب، ولما علمت من تضافر نصوص الفقهاء على ذلك.

والله الموفق.

بـــحــث
     
 خدمات