آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم: 2020/401م: في حكم بعض المعاملات المتعلقة بإنتاج وبيع وزكاة الأرز في مناطق الضفة بالبلد.

السـؤال: ملخص الاستفتاء:

يشتهر في منطقة الضفة خاصة اترارزة نوع من البيوع يسمونه السلم يتمثل في بيع منتجي الأرز لمقشريه كميات من الأرز الخام قبل حصاده بسعر رخيص للطن لا يصل إلى تكلفة إنتاجه، يكلف إنتاج طن الأرز 85 ألف أوقية قديمة بينما يشتريه المستثمرون بمبلغ 50 ألف أوقية قديمة ’ وتتميز عملية البيع هذه بما يلي:
لا يستلم البائع ثمن سلمه دفعة واحدة بل يظل يسقط له حتى تنتهي الحملة الموسمية وتدفع له بعض المواد العينية الداخلة في العملية الزراعية وأحيانا بضاعة لا علاقة لها بالمجال الزراعي (لباس مثلا).
رغم أن جودة الأرز حسب نسبة تقشيره ولكل نسبة سعر معين يتفاوت من 20 ألف قديمة للطن حتى 120 ألف للطن و لا تحدد نوعية الأرز في العقود.
يتم تحديد أجل الاستلام بعبارة نهاية الموسم دون ذكر يوم أو شهر معين.
يشتري المستثمر الأرز الخام فقط من مزرعة محددة ويشترط ألا يتصرف صاحبها في منتوجه قبل قضاء دينه.
يطالب المشتري بائع السلم برهن عقاري؛ منزلا أو قطعة أرضية أو أوراق سيارة، و عندما يعجز المدين يقوم الدائن باعتماد سعر جديد للكمية المتبقية عليه مما يؤدي إلى مضاعفتها.
السؤال الثاني: المتعلق بما ذكر أعلى ما حكم هذا النوع من البيوع وهل هو بيع سلم صحيح؟
السؤال الثالث: هل للربح حدود في الشريعة مهما كان جاحفا؟
السؤال الرابع: زكاة الأرز غالبا كل الزراعة بتمويل ودين (بنوك سلم)، هل تجب الزكاة في الدين.
أحيانا لا يجد المزارع سوى جزء قليل من دينه في هذه الحالة ما هو حكمه؟ وما هو حق جيران المزرعة في الزكاة؟ وما هو حكم نقلها ودفعها نقدا بدل الحبوب؟ وأيهما أفضل؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين؛
وبعد: فإنه من الواضح أن هذه جملة أسئلة جاءت على شكل سؤال واحد وليكون الجواب واضحا سنفصل الإجابة عليها على النحو التالي:
أما السؤال الأول المتعلق بأصل المعاملة فإنه سلم فاسد لما فيه من اشتراط تأخير قبض المسلِم (البائع) للثمن، لأن مما هو معلوم في مذهبنا أن من شروط صحة السلم قبض رأس المال كله عند العقد أو بعده بثلاثة أيام فقط، فلا يجوز تأخير دفعه عن ذلك إلا إذا كان ذلك التأخير غير مشروط في صلب العقد أصلا.
قال ابن يونس: «نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» وَهُوَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، فَوَجَبَ تَعْجِيلُ النَّقْدِ فِي الْمَضْمُونِ، وَكُلُّ مَنْ أَخَّرَ النَّقْدَ فِي السَّلَمِ بِشَرْطٍ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ". التاج والإكليل لمختصر خليل، للمواق، ج: 6، ص: 476.
وقال الإمام مَالِكٌ: "إنْ أَسْلَمْت إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي طَعَامٍ وَنَقَدْته مِنْهَا خَمْسِينَ وَأُخْرَى بِخَمْسِينَ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَجُزْ وَفُسِخَ الْبَيْعُ، لِأَنَّهُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ وَلَا تَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةُ النَّقْدِ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا".
وقال خليل في مختصره: "شَرْطِ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلَاثًا، وَلَوْ بِشَرْطٍ".
كما أنه يشترط في صحة السلم أيضا أن يكون المسلم فيه دينا في ذمة البائع، لا أن يكون في شيء معين.
قال خليل في مختصره: " وَكَوْنُهُ دَيْنًا ".
قال الخرشي: "هَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ وَاحْتُرِزَ بِهِ مِنْ بَيْعِ مُعَيَّنٍ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَدْ يَهْلَكُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَيَدُورُ الثَّمَنُ بَيْنَ السَّلَفِيَّةِ إنْ هَلَكَ، وَبَيْنَ الثَّمَنِيَّةِ إنْ لَمْ يَهْلَكْ.

وَالشَّرْحُ لِلذِّمَّةِ وَصْفٌ قَامَا يَقْبَلُ الِالْتِزَامَ وَالْإِلْزَامَا. شرح الخرشي على خليل، ج: 5، ص: 217.

ثم إن تحديد وقت تسليم المسلم فيه بنهاية الموسم فيه ضرب أجل مجهول وذلك متفق على فساده إلا إذا كان الموسم معلوم النهاية بالشهر.
كما أن عدم تحديد نوع الأرز الذي يسلم فيه مع اختلاف أنواعه كما ورد في السؤال فهو من مفسدات عقد السلم،
قال خليل في مختصره: "وَأَنْ تُبَيَّنَ صِفَاتُهُ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا الْقِيمَةُ فِي السَّلَمِ عَادَةً كَالنَّوْعِ وَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَبَيْنَهُمَا".
قال الخرشي: "هَذَا هُوَ الشَّرْطُ الْخَامِسُ، وَهُوَ أَنْ تُبَيَّنَ أَوْصَافُ الْمُسْلَمِ فِيهِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِهَا قِيمَتُهُ عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ اخْتِلَافًا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ عَادَةً يَجِبُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يُبَيِّنَا ذَلِكَ كَالنَّوْعِ فِي كُلِّ مُسْلَمٍ فِيهِ، وَكَذَا الْجَوْدَةُ وَالرَّدَاءَةُ، وَالتَّوَسُّطُ". شرح الخرشي على خليل، ج: 5، ص: 213.
كما أن ما ورد في السؤال مما يترتب على المدين حال عجزه عن أداء ما عليه لا يخفى ما فيه من حرمة وأكل أموال الناس بالباطل، فهذه الأمور كلها تجعل المعاملة غير صحيحة لأنها ليست بيعا ولم يتوفر فيها من شروط السلم ما يجعلها سلما صحيحا.
أما عن السؤال المتعلق بالربح هل له من حد لا يجوز أن يتجاوزه؟
فالجواب: أن الشريعة لم تضع للربح حدا ينتهي إليه بل يجوز مطلقا حتى ولو كان أضعاف رأس المال،واستدلوا على ذلك بما جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ قَالَ: "عَرَضَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَبٌ، فَأَعْطَانِي دِينَارًا وَقَالَ: «أَيْ عُرْوَةُ، ائْتِ الْجَلَبَ، فَاشْتَرِ لَنَا شَاةً، فَأَتَيْتُ الْجَلَبَ، فَسَاوَمْتُ صَاحِبَهُ، فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ شَاتَيْنِ بِدِينَارٍ، فَجِئْتُ أَسُوقُهُمَا، أَوْ قَالَ: أَقُودُهُمَا، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ، فَسَاوَمَنِي، فَأَبِيعُهُ شَاةً بِدِينَارٍ، فَجِئْتُ بِالدِّينَارِ، وَجِئْتُهُ بِالشَّاةِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا دِينَارُكُمْ، وَهَذِهِ شَاتُكُمْ. قَالَ: «وَصَنَعْتَ كَيْفَ؟» قَالَ: فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ» فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَقِفُ بِكُنَاسَةِ الْكُوفَةِ، فَأَرْبَحُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إِلَى أَهْلِي ...الحديث: 19362.
ولكن في هذا المقام يحسن بنا أن نذكر السائل بقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، سَمْحًا إِذَا اشْتَرَى، سَمْحًا إِذَا اقْتَضَى». سنن ابن ماجه، الحديث: 2203.
أما عن السؤال المتعلق بزكاة الزراعة مع كونها ممولة أصلا عن طريق الديون؟
فالجواب: أن الدين يعتبر في الذمة وليس في المزرعة، وعليه فإن الحرث يزكى كله ما دام قد وصل إلى النصاب الشرعي.
قال خلف ابن أبي القاسم: ولا يسقط الدين زكاة الحرث والماشية، وإن كان الدين يغترقها أو كان الدين مثل صفتها. التهذيب في اختصار المدونة، لخلف ابن أبي القاسم، ج: 1، ص: 459.
وقال خليل: "وَلَا تَسْقُطُ زَكَاةُ حَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ وَمَعْدِنٍ بِدَيْنٍ".
أما عن نقل الزكاة وحق جيران المزرعة في زكاتها؟
فإنه مما لا خلاف فيه أن عدم نقل الزكاة هو الأفضل، وهو الاحتياط لأنها إن لم تنقل أجزأت بلا خلاف، أما إذا نقلت فإجزاؤها محل خلاف بين علماء المذهب،
وقد لخص التنوخي المذهب في هذه المسألة فقال: "وإذا وجبت الزكاة فأديت إلى فقراء الموضع الذي وجبت فيه أجزت بلا خلاف، فإن أديت إلى غيرهم؛ فإن كان بأهل الموضع حاجة وغيرهم ليس بمنزلتهم لم تجز، وإن تساوت الحالات فهل يجزي إخراجها إلى غير الموضع الذي وجبت فيه؟ فالمذهب على قولين.
وسبب الخلاف قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: «فأخبرهم يعني أهل اليمن أن الله أوجب عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» فهل يحمل ذلك على فقراء المسلمين أو فقراء أهل الموضع؟ هذا سبب الخلاف. وإن نزلت بقوم حاجة فقد أمر مالك أن ينقل إليهم من الزكاة". التنبيه على مبادئ التوجيه لأبي الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي، ج: 2، ص: 839.

والله الموفق.

بـــحــث
     
 خدمات