آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم: 266/ 2017م: في حكم الحبس المعلق

السؤال: حبس حيوان معقب توفي المحبس عليه وتركه لأبنائه فأرادوا إرجاعه إلى المحبس فرفض، وقال لهم يمكن أن تردوه إلى ولدي بعد وفاتي فهل ذلك سائغ شرعا؟ والآن نلاحظ بعض التصرف من أخينا الأكبر من تسلف من الحبس وعدم تشاور معنا في شأنه فما ذا نفعل في ذلك؟ وهل يجوز أن نحوله إلى عقار؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.

الجـواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛
أما بعد: فإن التحبيس أمرٌ ندب إليه الشرع ورغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له" .
وقال ابن رشد في المقدمات: "فالأحباس سنة قائمة عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده، وقد قيل لمالك: إن شريحا كان لا يرى الحبس ويقول لا حبسَ عن فرائض الله، فقال مالك: تكلم شريح ببلاده ولم يرد المدينة فيرى آثار الأكابر من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتابعين بعدهم إلى اليوم، وما حبسوا من أموالهم، وهذه صدقات النبي صلى الله عليه وسلم سبعة حوائط، وينبغي للمرء أن لا يتكلم إلا فيما أحاط به خبرًا" .
ولا يجوز رده للمحبِّس ولا لولده ولا الرجوع فيه، لأن الحبس المعقب تعلق به حق العقب. قال المواق: ابن رشد: "لا خلاف أن من حبَّسَ أو وهب أو تصدق أنه لا رجوع له في ذلك ويقضى عليه بذلك إن كان لمعين اتفاقًا ولغير معين باختلاف" .
وقال الدسوقي: "ولزم ـ يعني الوقف ـ أي ولو لم يحز، فإن أراد الواقف الرجوع فيه فلا يمكّن من ذلك، وإذا لم يحز عنه أجبر على إخراجه من تحت يده للموقوف عليه" .

أما الأخ المذكور فيجب عليه امتثال الشرع في الحبس المذكور، وإذا تصرف فيه تصرفًا مخالفًا للشرع نزع القاضي الحبس من يده وجعله بيد ناظرٍ أمين" .

وأما بالنسبة لبيع الحبس وتحويله إلى عقارٍ فالجواب أن الحبس بالنظر إلى جواز بيعه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم يمنع بيعه إجماعا وهو المساجد؛

والقسم الثاني: العقار من غير المساجد وهو مثلها في منع البيع ولو خربا إلا لتوسيع مسجد أو طريق أو مقبرة، قال خليل في المختصر عاطفا على الحائزات عطف مغايرة: "لا عقار وإن خرب ونقض ولو بغير خرب إلا لتوسيع كمسجد ولو جبرا" .
قال الدسوقي: "ورد المصنف بالمبالغة على رواية أبي الفرج عن مالك إن رأى الإمام بيع ذلك لمصلحة جاز ويجعل ثمنه في مثله وهو مذهب أبي حنيفة أيضا فعندهم يجوز بيع العقار الوقف إذا خرب ويجعل ثمنه في مثله" .
وفي شرح الخرشي: "قال مالك: لا يباع العقار الحبس ولو خرب وبقاء أحباس السلف داثرة دليل على منع ذلك" .
القسم الثالث: ما سوى العقار إذا ذهبت منفعته التي وقف لها كالفرس يكلب، والثوب يخلق، فيجوز بيعه وصرف ثمنه في مثله مما هو أكثر غلة وأوفر نتيجة على المحبس عليه، قال مالك: "وما ضعف من الدواب المحبسة في سبيل الله حتى لا تكون فيه قوة على الغزو بيعت واشتري بثمنها ما ينتفع به من الخيل فتجعل في سبيل الله، وكذلك الفرس يكلب ويخبث" فإن لم يف ثمنه بمثله جعل في شقصه إن أمكن؛ وإلا تصدق بذلك الثمن علي المحبس عليه، وكل ذلك تحت رعاية القاضي ونظره، قال خليل في المختصر: (وبيع ما لا ينتفع به من غير عقار في مثله أو شقصه كأن أتلف وفضل الذكور وما كبر من الإناث في إناث) ..
وقال المواق: "روى ابن القاسم: ما سوى العقار إذا ذهبت منفعته التي وقف لها كالفرس يكلب أو يهرم بحيث لا ينتفع به فيها "أو الثوب يخلق" بحيث لا ينتفع به في الوجه الذي وقف له وشبه ذلك أنه يجوز بيعه ويصرف ثمنه في مثله ويجعل مكانه، فإن لم يصل إلى كامل من جنسه جعل في شقص من مثله".
وقال ابن وهب عن مالك: "وكذلك الفرس يكلب ويخبث". قال ابن القاسم: "وما بلي من الثياب المحبسة ولم يبق فيها منفعة بيعت واشتري بثمنها ثياب ينتفع بها فإن لم تبلغ تصدق به في السبيل" .
وقال محمد بن جزي: "والأحباس بالنظر إلى بيعها على ثلاثة أقسام: (الأول) المساجد فلا يحل بيعها أصلا بإجماع، (الثاني) العقار لا يجوز بيعه إلا أن يكون مسجدا تحيط به دور محبسة فلا بأس أن يشتري منها ليوسع به والطريق كالمسجد في ذلك وقيل أن ذلك في مساجد الأمصار لا في مساجد القبائل وأجاز ربيعة بيع الربع المحبس إذا خرب ليعوض به آخر خلافا لمالك وأصحابه، (الثالث) العروض والحيوان قال ابن القاسم إذا ذهبت منفعتها كالفرس يهرم والثوب يخلق بحيث لا ينتفع بهما جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله فإن لم تصل قيمته إلى كامل جعلت في نصيب من مثله وقال ابن الماجشون لا يباع أصلا" .

أما بيع الحيوان ذي المنفعة وتحويله إلى عقار فأصل المذهب منعه لما فيه من تغيير الحبس، وإذا خيف على الحيوان الضياع وتعينت المصلحة في ذلك فلا يبعد قبوله، لأن الوقف من الصدقات المشتملة على المصالح الخالصة أو الراجحة؛ قال القرافي: "ولا يصحح الشرع من الصدقات إلا المشتمل على المصالح الخالصة أو الراجحة" .
فالوقف قابل للاجتهاد لأنه معقول المعنى؛ لما يترتب عليه من المصالح الظاهرة للعقول، فإذا خيف ضياع الحبس أو تعذر الانتفاع به نظر إلى المقصد منه، وهو بقاؤه والانتفاع به، قال عبد الرحمن الفاسي في نظمه لعمليات فاس:

وروعي المقصود في الأحباس لا اللفظ في عمل أهل فاس
ومــنه كتْــب حــبست تقـرأ في خزانة فأخرجت عن موقف

قال الوزاني في تحفة أكياس الناس بشرح عمليات فاس: "ويجوز أن يفعل بالحبس ما فيه مصلحة له مما يغلب على الظن أن المحبس لو كان حيا وعرض عليه لرضيه واستحسنه، وبه أفتى العبدوسي، ونظمه ميارة في تكميل المنهج بقوله:
للقصد جاز فعل ما لو حضرا واقفه رآه أيضا نظرا

وبناء على ما تقدم من كلام العلماء فإن ما فعله المحبس من الامتناع عن عود الحبس إليه هو السداد الموافق للشرع المانع من الرجوع في الأحباس، وهذا الحبس إذا خيف عليه الضياع فلا بأس بمعاوضته بحبس يكون مكانه حتى لا تنقطع منفعته ويكون ذلك برعاية القاضي وتحت نظره.

والله الموفق.

بـــحــث
     
 خدمات