آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم 116/ 2014م: هل يجوز البناء على الطريق لتوسعة المسجد

السؤال: ما قولكم في مسجد جامع وسط قرية تحده طريق شرقية وأخرى شمالية، والتي تحده شرقا وتحد ما في طريقه من المنازل بينها مع المحراب تسعة أمتار فقط يتحول إليها ظل المسجد بعد الزوال؛ فهل يجوز البناء على الطريق المقابل للمسجد واستمالة الشارع إلى أمتار المسجد؟ وبذلك تسد الطريق ويحتل ظل المسجد؛ وهل إذا أحجم الجميع ولم يقفوا في وجه مثل هذا وهنا أو خوفا أو طمعا أو غير ذلك فقام من يرى وجوب الذب عن حرمات الله (المسجد) والمصلحة العامة (الطريق) فهل له ذلك أم لا؟ وهل ما بني على الطريق حتى سدها وله إضرار بالمسجد تجب إزالته من طرف صاحبه أم من طرف الحاكم أم هما معا؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه؛
وبعد: فإن المصالح الواجب مراعاتها تنقسم من حيث العموم والخصوص إلى مصالح خاصة منفعتها تابعة لآحاد المكلفين، ومصالح عامة تعود منفعتها على عامة المكلفين، وفي مجال العمران يقع في بعض الأحيان التعارض بين هذين النوعين من المصلحة، إلا أن الفقهاء حسموا هذا التعارض منذ القديم لصالح المصالح العامة نظرا لقوة أدلتها وعموم نفعها.
فقد اتفق الفقهاء على منع تضييق الطرق العامة بالاقتطاع منها بناء على الحديث: "من اقتطع من طريق المسلمين أو أفنيتهم شبرا من الأرض طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين"، ويعضد معنى هذا الحديث ما ورد في الصحيحين: "من ظلم قيد شبر طوقه من سبع أرضين"، وفي رواية: "من أخذ شبراً من الأرض بغير حق طوقه الله في سبع أرضين يوم القيامة".
ففي البيان والتحصيل لابن رشد الجد، وسألته: عن الرجل يتزيد في داره من طريق المسلمين ذراعا أو ذراعين، فإذا بنى جدارا وأنفق فيه وجعله بيتا قام عليه جاره الذي هو مقابله من جانب الطريق فأنكر عليه ما يريد، ورفعه إلى السلطان وأراد أن يهدم ما زاد من الطريق، وزعم أن سعة الطريق كان رافقا به، لأن ذلك كان فناء له ومربطا لدابته، وفي بقية الطريق ممر للناس، وكان فيما بقي من سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة أذرع، هل لذلك الجار إلى هدم بنيان جاره الذي بنى سبيل؟ أو رفع ذلك بعض من كان يسلك تلك الطريق وفي بقية سعته ما قد أعلمتك؟ فقال: نعم، يهدم ما بني كان في سعة الطريق ثمانية أذرع أو تسعة على ما وصفت، لا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين، وينبغي للقاضي أن يتقدم في ذلك إلى الناس ويستنهي إليهم ألا يحدث أحد بنيانا في طريق المسلمين، وذكر أن عثمان بن الحكم الجذامي حدثه عن عبيد الله بن عمر عن أبي حازم أن حدادا ابتنى كيرا في سوق المسلمين قال: فمر عمر بن الخطاب فرآه، فقال: لقد انتقصتم السوق ثم أمر به فهدمه، قال أشهب: نعم يأمر السلطان بهدمه رفع ذلك إليه من كان يسلك الطريق أو رفع ذلك جيرانه، لا ينبغي لأحد التزيد من طريق المسلمين، كان في الطريق سعة أو لم تكن، كان مضرا ما تزيد أو لم يكن مضرا ويؤمر بهدمه، وينبغي للسلطان أن يتقدم في ذلك إلى الناس ألا يزيد أحد من طريق المسلمين.
قال محمد بن رشد: اتفق مالك وأصحابه فيما علمت أنه لا يجوز لأحد أن يقتطع من طريق المسلمين شيئا فيزيده ويدخله في بنيانه وإن كان الطريق واسعا جدا لا يضره ما اقتطع منه .
وقال ابن قدامة المقدسي:" ما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران فليس لأحد إحياؤه، سواء كان واسعا أو ضيقا، وسواء ضيق على الناس أو لم يضيق، لأن ذلك يشترك فيه المسلمون وتتعلق به مصلحتهم فأشبه مساجدهم" .
بل ذهب الفقهاء أكثر من ذلك إلى منع تحجير أفنية الدور المطلة على الشوارع وكذا أهوية الشوارع والطرقات، ولو بالرواشن والساباط.
قال القرافي: القاعدة أن يمنع بيع هواء المساجد والأوقاف إلى عنان السماء لمن أراد غرس خشب حولها ويبنى على رؤوس الخشب سقفا وبنيانا وان يمنع إخراج الرواشن لأنها في هواء الشارع الذي يمنع فيه الاختصاص .
وقال الحطاب: أفنية الدور المتصلة بطريق المسلمين ليست بملك لأرباب الدور كالأملاك المحوزة التي لأربابها تحجيرها على الناس لما للمسلمين من الارتفاق بها في مرورهم إذا ضاق الطريق عنهم بالأحمال وشبهها .
وفيه: وأما اقتطاع شيء من الأفنية والتحويز عليه ببناء، أو غيره فقال ابن عرفة: قال ابن رشد، ولا يباح لذي الفناء أن يدخله في داره فإن فعل وهو يضر بالطريق هدم عليه .
وقال ابن رشد:" وحكم إحياء الموات يختلف باختلاف مواضعه، وهي على ثلاثة أوجه: بعيد من العمران، وقريب منه لا ضرر على أحد في إحيائه، وقريب منه في إحيائه ضرر على من يختص بالانتفاع به... وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر كالأفنية التي يكون أخذ شيء منها ضررا بالطريق وشبه ذلك فلا يجوز إحياؤه بحال، ولا يبيح ذلك الإمام ولا القاضي، وبالله التوفيق" .
وقال ابن يونس: "وَلَا تحاز الشوارع بالبنيان" .
وقال ابن الحاج: "وأما القريب منه الذي في إحيائه ضرر كالأفنية التي يكون أخذ شيء منها ضررا بالطريق وشبه ذلك فلا يجوز إحياؤه بحال، ولا يبيح ذلك الإمام" .
وبناء على ما سبق فإنه لا يجوز تضييق الطريق ولا البناء عليها، سواء كانت مارة على المسجد أو غيره لما في ذلك من الإضرار بالناس وفي الحديث:" لا ضرر ولا ضرار"، وإزالة هذا الضرر من اختصاص الدولة لأنها هي صاحبة السلطة في إيجاد التوازن بين المصالح حتى لا يتعسف صاحب حق في استعمال حقه فيضر بغيره، وعلى الجميع التعاون معها.

بـــحــث
     
 خدمات