آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم: 473/ 2021م: في حكم بيع عقار مسجد لصالح آخر

السـؤال : ملخص الاستفتاء: يقول السائل: جماعة تسكن قرية وكان لها مسجد واستغنت عنه بوجود مسجد آخر ومحظرتين وسألت أحد أهل العلم وأفتاها بأنه يمكن أن يباع ويجعل ثمنه في مصلحة المسجد الآخر لأن ما كان لله يمكن صرفه لله، وبعد سنتين سألوا عالما آخر وأفتاهم بأن بيع العقار محل خلاف وأن المساجد لا تدخل في ذلك، أريد الإجابة مع الدليل وإسناد القول إلى قائله، وإن كانت الفتوى الأخيرة هي الصحيحة فهل عليهم دفع إيجار السنتين اللتين استخدم فيهما المسجد لغير الصلاة؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛
أما بعد: فإن الله قد جعل المساجد هي خير بقاع الأرض وشرفها بإضافتها إليه حيث قال تعالى: [ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ]، مع أن بقاع الأرض كلها لله وما ذلك إلا لشرفها ومزيد رفعتها واختصاصها بما لم يكن لغيرها من البقاع، لذلك خصها بأحكام وآداب خاصة.
قال تعالى: [ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة... ] الآية.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس الذي اتفق عليه الشيخان:" إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن".
ومن الأحكام التي خصت بها المساجد عن غيرها من الأحباس أنها لا تباع فلم يجر في بيعها من الخلاف ما جرى في بيع غيرها من الأحباس مع أن المشهور في مذهب مالك رضي الله عنه عدم جواز بيع العقار الحبس.
قال صاحب المعيار: "أما مالك رحمه الله فلم يجعل سبيلا إلى بيع الحبس في المشهور عنه فقد قال للذي سأله عن نخل حبست عليه فدثرت:" أترى في أن أبيعها؟ فقال له مالك: اتركها حتى تلعب عليها الرمال فتستريح منها ولم يجعل له سبيلا إلى بيعها". [ج7 ص88].
وعلى ذلك درج الشيخ خليل ـ رحمه الله - في مختصره حيث قال ممزوجا قوله بالشرح الكبير عاطفا على ما لا يجوز بيعه: " لا عقار حبس من دور وحوانيت وحوائط وربع فلا يباع ليستبدل به غيره وإن خرب ". [ ج.4 ص 91]. فالمساجد لا يجري فيها هذا الخلاف.
قال القرطبي في تفسيره عند قوله تعالى: [ ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ]، الآية.
قال: "لا يجوز نقض المسجد ولا بيعه ولا تعطيله وإن خربت المحلة". [ج.2 ص. 63]
وقال ابن جزي في كتابه: " القوانين الفقهية " : "والأحباس في بيعها على ثلاثة أقسام وذكر القسم الأول قائلا : الأول المساجد فلا يحل بيعها أصلا بالإجماع" [ص 391]
وجاء في التاج والإكليل شرح مختصر خليل للمواق عن ابن عبد الغفور: " لا يجوز بيع مواضع المساجد الخربة لأنها وقف ". [ج6 ص47]
ومن أجازوا بيع أنقاضها قالوا: يترك ما يكون علما للمسجد ليلا يدرس أثره، عزاه المواق لأبن مزين. [ج6 ص 47]
وقال عبد الله العبدوسي: "إن خراب المسجد لا يسقط حرمته" [المعيار، ج7، ص83]
وسئل (العبدوسي) أيضا عن مسجد قائم تعطلت منفعته وخرب ما حوله من الدور: لمن يصرف وقفه المحبس عليه والمسجد لا ترجى له عمارة في الوقت أصلا فهل يصرف للجامع الأعظم أو لأقرب المساجد إليه أو يبقى موقوفا؟
فأجاب :" أما المسجد المذكور فإن احتاج إلى بناء يقام به رسمه وتبقى عليه به حرمة المسجد مخافة دثوره فإنه يبنى من غلة أحباسه وما فضل من ذلك فقيل يصرف إلى أقرب المساجد إليه وقيل إلى أحوجها وإن بعد وبه أفتي." [المعيار، ج7، ص56]
وجاء في فتوى له أيضا أنه سئل عن منزلين متجاورين خرب أحدهما وفيه مسجد له أحباس وللمنزل العامر مسجد لا حبس له فهل يجوز أن تنقل غلة حبس المسجد الخرب إلى المسجد الآخر أم لا؟
فأجاب : "الحمد لله وحده دائما والله وحده سبحانه الموفق للصواب، إنه يجوز ذلك على قول بعض أهل العلم وبه مضى العمل لكن مع بناء المسجد الذي تنتقل غلته وإصلاح ما يحتاج إلى الإصلاح منه إبقاء لحرمة المسجدية عليه." [المعيار،ج7، ص 12]
وجاء في نوازل المعيار أيضا عن العبدوسي: "وأما مسـألة المساجد التي خرب ما حولها من الدور ولم ترجع عمارتها فلا يجوز نقض سقفها لينتفع بها في مساجد أخرى بل تبقى على حالتها ويبنى ما تهدم منها من غلات أحباسها إبقاءا عليها لحرمتها على ما هو منصوص في ذلك وإنما الكلام إذا تهدمت ولم ترج عمارتها ولم يكن لها حبس تبنى منه هل تنقل أنقاضها إلى غيرها أم لا؟" [ المعيار،ج7 ص 79]
وجاء في نوازل المعيار عن السرقسطي أنه سئل عن مسجد تهدم منه الثلث منذ عشرة أعوام وخلت القرية ولم يبق بها أحد منذ ستين عاما فأراد أهل قرية أخرى نقل باقيه لجعله في مصالح قريتهم لأنهم لا قدرة لهم على إصلاحه؟
فأجاب أنه لا يخرب المسجد ويترك على حاله وإن كانت عليه أحباس يبنى منها. [ج7،ص162]
وجاء في المعيار في جواب للشيخ أبي إبراهيم الأندلسي عن سؤال عن مسجد غطته الرياح بالرمال وأخربت الدور والحوانيت هل يخرب ويبنى بنفقته غيره؟
"هذا رحمنا الله وإياك مسجد ينبغي أن يتبرك به ويرغب في إتقانه وإحيائه ما بقي منه أكثر ما يمكن الصلاة فيه ولا سبيل إلى نقضه ولا إحالته ولا إلى نقل أنقاضه ولا إنفاق غلة أحباسه في غيره والواجب أن تنفق عليه أحباسه في تنقيته من الرمل وفيما أمكن منه حتى يعيده الله كما كان إن شاء الله." [ج.7 ص. 226]
وجاء في المعيار في رد لبعض العلماء على سؤال عن قرية خالية فيها مسجد مسقف ذهب أناس بدوابهم فنقضوا سقفه ونقلوا خشبه وقر موده إلى مسجد أخر فهل ذلك جائز لهم أم لا؟.
"مذهب ابن القاسم رضي الله عنه في مثل هذا المسجد ألا يتعرض لنقضه وأن يترك على حاله سواء رجيت عمارته أم لم ترج وأجاز غيره نقل نقضه إلى مسجد آخر وبناءه به إن بعد الرجاء في عمارته وعودة القرية إلى سكناها وهو قول صحيح أخذ به ابن أبي زمنين فالأخذ به لا يعترض والترك أولى وأحوط وهو المشهور." [ج.7 ص .142]
وبما حكاه ابن جزي من الإجماع على منع بيع المساجد، وبما صرح به القرطبي من منع بيع المساجد ونقضها وبما سردناه من فتاوى العلماء ببقاء حرمة المساجد ووجوب تركها على حالها والإنفاق عليها من أحباسها ولو تعطلت ولم تختلف في ذلك أقوال المذهب التي اطلعنا عليها، وإنما الخلاف في نقل أنقاضها بشرط خرابها وتهدمها وعدم رجاء عمارتها وأن لا يكون لها من الأحباس ما تبنى به، وأن تنقل الأنقاض إلى مساجد مثلها هذا محل الخلاف.
بهذا يتبين لنا عدم جواز بيع المساجد بأي حال فكيف إذا كان المسجد مسجدا متماسك البنيان صالحا لما بني له من صلاة وذكر وتلاوة وتعلم علم ويحيط به العمران، أما كونه أستغني عن صلاة الفرض فيه فهذا لا تأثير له في الحكم مع أنه يمكن أن يعمر بالنافلة والذكر والتلاوة وصلاة الجماعة فيه بعد الراتب وأن يعمر بالتعليم إذا توسعت المحظرة فتركه على حاله واجب ولا يجري فيه من الخلاف ما جرى في بيع غيره من العقار الحبس ولا ما جرى من الخلاف في نقل الأنقاض بالشروط التي وضحناها.
أما كون ما كان لله يجوز صرفه فيما هو لله فتطبيق هذه القاعدة على المساجد هو أن تستعمل في أعمال القرب غير الصلاة مع بقاء المسجدية وحرمتها. لا أن تباع أو تستعمل فيما ليس قربة.
أما السؤال هل على من استخدموا المسجد لغير الصلاة وما في معناها من القرب دفع أجرة المسجد؟ فقد جاء في المعيار: "وسئل الغزالي عمن خزن في المسجد أو في طائفة منه شيئا هل يلزمه الكراء أم لا؟ فأجاب : إذا طرح في المسجد غلة أو غيرها لزمه أجرته فإن أغلق بابه لزمه أجرة جميع المسجد كما لو طرح ذلك في بيت من دار أو في دهليزها وأغلق الباب فإنه يلزمه أجرة جميع الدار قال: وكما يضمن أجزاء المسجد بالإتلاف يضمن منفعته بالإتلاف كمنفعة الأملاك." انتهى.
قال النووي: "وهو صحيح متعين وإن شغل بالغلة جانبا من المسجد ولم يغلقه يلزمه أجرة ما شغله وتصرف الأجرة في مصالح المسجد. والله أعلم." [ج.7 ص .330]

خلاصة الفتوى
خلاصة الفتوى: أن المسجد لا يجوز بيعه، ولا نقضه بل يترك على حاله، ولا يجوز استعماله إلا فيما هو قربة لله، ومن استعمله في غير أعمال القرب لزمه إخلاءه ولزمته أجرته عما مضى من الاستعمال وتصرف في مصالح المسجد.

والله الموفق.

بـــحــث
     
 خدمات