آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم: 152/ 2015م: في حكم إبدال مسجد عتيق بآخر جديد

السؤال: أهل قرية لديهم مسجد قديم بنوه منذ إنشاء قريتهم وأصبح محتاجا إلى إعادة الترميم، ووجدوا هيئة خيرية وافقت على بناء مسجد جديد لهم وتشترط أن يكون بمعزل عن الأول تماما، فهل يجوز لهم الإقدام على ذلك، علما أنه قد يؤدى إلى هجران المسجد الأول؟ وإن كان ذلك يجوز لهم فهل تنتقل المسجدية عن الأول؟ وهل يجوز استخدامه في تعليم القرآن العظيم؟

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه؛
وبعد: فإن ترميم المسجد القديم وتوسعته للحاجة عند إمكان ذلك وتحقق المصلحة به أولى من الانتقال عن عرصته، لأنه أدعى لتحقيق معنى الحبسية وقصد الواقف، وإن كان الانتقال عن الأول والبناء في موضع آخر أدعى لتحقيق المصلحة جاز بحكم رعي الأصلح.
لأن الشرع جاء لتحقيق المصالح وفيه شواهد تدل على رعي الأصلح عند الموازنة بين المصالح، وواقعة نقل مسجد الكوفة خير شاهد لهذا الموضوع، ولئن كان بعض الفقهاء استدل بها على جواز المناقلة في الحبس فإنها تدل أيضا على جواز استبدال المسجد بآخر للمصلحة الراجحة في ذلك اعتبارا بالأرجحية عند الموازنة المذكورة.
إذ أن مسجد الكوفة الذي نقله عمر – رضي الله عنه – لتحقيق حراسة دائمة على بيت المال قد كان من الممكن تحقيقُ المقصود دون نقله، وذلك بنقل بيت المال نفسه إلى صقب المسجد دون العكس، فلجوء عمر – رضي الله عنه – إلى نقل المسجد نفسه لهذه الغاية مع أن نفع الأول لم يتعطل يؤيد هذا الاعتبار.
قال الرحيباني الدمشقي الحنبلي نقلا عن شهاب الدين بن قدامة في كتابه المناقلة في الأوقاف: واقعة نقل مسجد الكوفة وجعل بيت المال في قبلته وجعل موضع المسجد سوقا للتمَّارين اشتهرت بالحجاز والعراق، والصحابة متوافرون ولم ينقل إنكارها ولا الاعتراض فيها من أحد منهم، بل عمر هو الخليفة الآمر وابن مسعود هو المأمور الناقل فدل هذا على مساغ القصة والإقرار عليها والرضى بموجبها، وهذه حقيقة الاستبدال والمناقلة.
وهذا كما أنه يدل على مساغ بيع الوقف عند تعطل نفعه فهو دليل أيضا على جواز الاستبدال عند رجحان المبادلة، ولأن هذا المسجد لم يكن متعطلا وإنما ظهرت المصلحة في نقله لحراسة بيت المال الذي جعل في قبلة المسجد، ومحل الاستدلال حيث تم استبدال المسجد في مشهد من الصحابة مع أن نفعه لم يتعطل .
والقصة أخرجها الطبراني قال: حدثنا علي بن عبد العزيز ثنا أبو نعيم ثنا المسعودي عن القاسم قال قدم عبد الله وقد بنى سعد القصر، واتخذ مسجدا في أصحاب التمر، فكان يخرج إليه في الصلوات فلما ولي عبد الله بيت المال نقب بيت المال، فأخذ الرجل، فكتب عبد الله إلى عمر، فكتب عمر أن لا تقطعه وانقل المسجد واجعل بيت المال مما يلي القبلة، فإنه لا يزال في المسجد من يصلي، فنقله عبد الله وخط هذه الخطة . وقال الهيثمي: القاسم لم يسمع من جده، ورجاله رجال الصحيح .
وقال تقي الدين ابن تيمية في الكلام على استبدال الوقف: الإبدال لمصلحة راجحة مثل أن يبدل الهدي بخير منه ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد آخر أصلح لأهل البلد منه، وبيع الأول، فهذا ونحوه جائز عند أحمد وغيره من العلماء.
واحتج أحمد بأن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه نقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر، وصار الأول سوقا للتمارين، فهذا إبدال لعرصة المسجد، وأما إبدال بنائه ببناء آخر فإن عمر وعثمان رضي الله عنهما بنيا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على غير بنائه الأول وزادا فيه، وكذلك المسجد الحرام.
وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض ولجعلت لها بابين بابا يدخل الناس منه وبابا يخرج منه الناس" فلولا المعارض الراجح لكان النبي صلى الله عليه وسلم غير بناء الكعبة، فيجوز تغيير بناء الوقف من صورة إلى صورة لأجل المصلحة الراجحة، أما إبدال العرصة بعرصة أخرى فهذا قد نص أحمد وغيره على جوازه اتباعا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث فعل ذلك عمر رضي الله تعالى عنه، واشتهرت القضية ولم تنكر .
ووجه الاستدلال في الأول:
حيث دل الحديث على جواز تغيير الوقف من صورة إلى أخرى لأجل المصلحة الراجحة، وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغييره من أجل معارض راجح، وهو كون أهل مكة حديثي عهد بجاهلية.
ووجه الاستدلال في الثاني:
أن ما فعله عمر وعثمان من هدم المسجد وإعادة بنائه على وجه أصلح من البناء الأول دليل على جواز إبدال الوقف بخير منه، وقد كان هذا الفعل بمشهد من المهاجرين والأنصار، ولم ينكر عليهم ذلك .
وبالنسبة لاستغلال الأول للتعلم والتدريس فيه؛ فقد نص بعض الفقهاء على جواز استغلال الحبس في وجه يماثل الوجه المقصود من الحبس عند تعذر استخدامه في الوجه المقصود له أولا.
قال محمد عليش: وسئل ابن علاق عن حبس على طلاب العلم الغرباء فلم يوجد غرباء، فقال إن لم يوجد غرباء يدفع لغير الغرباء، ويشهد لهذا مسائل المذهب منها فتيا سحنون في فضل زيت المسجد أنه يوقد منه في مسجد آخر، وفتيا ابن دحون في حبس حصن يغلب العدو عليه يدفع في حصن آخر، قال وما كان لله تعالى واستغني عنه يجوز جعله في غير ذلك الوجه مما هو لله تعالى، وفتوى ابن رشد في فضل غلات مسجد زائدة على حاجته أن يبنى منها مسجد تهدم، وقال ابن عرفة شبيه المصرف مثله إن تعطل. ابن المكوي يجتهد القاضي فيه .
وقال المواق: ولأصبغ عن ابن القاسم في مقبرة عفت: لا بأس ببنيانها مسجدا وكلما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه على بعض. ومن نوازل البرزلي: بل الفتيلة من قنديل المسجد وأخذ زيته لا يجوز ولو كان ذلك لمسجد آخر لجرى على الخلاف بين الأندلسيين والقرويين في صرف الأحباس بعضها في بعض، وعلى الجواز العمل اليوم مثل صرف أحباس جامع الزيتونة لجامع الموحدين وأخذ حصره السنة بعد السنة وزيته كذلك .
وبالنسبة للمسجدية في الأول فالحبسية فيه باقية لأنها تعلقت بالعرصة التي لم يتم استبدالها على سبيل المعاوضة وكذا الأحكام على مقتضي ما لابن رشد: من عدم زوال المسجدية بزوال التسمية وأن المسجد إذا انهدم بقي على ما كان عليه من التسمية والحكم، وإن كان لا يصح أن يسمى الموضع الذي يتخذ لبناء المسجد مسجدا قبل أن يبنى وهو فضاء . اللهم إلا أن يصير طريقا وممرا للناس فلا يطالب فيه بتحية على ما عزا الحطاب لبعض شيوخه أنه أخذه من قول صاحب المختصر:
"ولا إن دخلها ـــ أي الدار المحلوف عنها ـــ بعد أن خربت وصارت طريقا".
قال الدسوقي: "أي لزوال اسم الدار عنها، ومن هذا إذا خرب المسجد ــ أي وصار طريقا ـــ لا يطلب له تحية كما في ح، ومقتضاه زوال أحكام المسجدية لا أصل الحبس تأمل" .

وقد أمر الدسوقي في هذا المقام بالتأمل، ولعله يشير إلى أن هذا المقتضَي ينافي ما عهد من أصالة حرمة المسجد، وقد اختلف الأصوليون: هل يشترط في الحقيقة عند الاشتقاق بقاء الوصف في المحل أولا أو المنظور إليه عدم وجود المناقض، قال في المراقي:

وحيثما ذو الاسم قام قد وجب وفرعه إلى الحقيقة انتسب
لـــدي بقاء الأصل في المحل بحسب الإمكــان عند الجل
ثالثها الإجماع حيثمـا طــري على المحـل ما مناقضا يري
عليه يبني من رمــي المطلقه فبعضهم نفى وبعض حقـقـه .

وبناء على ما سبق فإن بناء هذا المسجد الجديد جائز إذا ترجحت فيه المصلحة وعمارته مندوب إليها، أما استخدام الأول في المصالح العمومية فيجوز منه ما لا يتنافى مع حرمة المسجد.

والله الموفق.

بـــحــث
     
 خدمات