آخر الأخبار المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يجتمع في دورة جديدة :: المجلس الأعلى للفتوى والمظالم يبين الموقف الشرعي من الإسراف والتبذير في المناسبات الاجتماعية :: بمناسبة قرب حلول عيد الأضحى المبارك يصدر المجلس الأعلى للفتوى والمظالم نشرية علمية جديدة حول أحكام العيد والأضحية وآدابهما. ::
الصفحة الرئيسية
 عن المجلس
  النصوص القانونية
  تشكلة المجلس
 الفتوى
  صناعة الفتوى( الحلقة الثانية)
  صناعة الفتوى (الحلقة الأولى)
  فتاوى صادرة عن المجلس
 المظالم
  مظالم تمت تسويتها
 ندوات ومحاضرات
  توصيات الندوة العلمية حول العلاقة بين الفقه والطب
الفتوى رقم: 259/ 2014م: في بعض أحكام السدود الجماعية

السؤال: السدود الجماعية الكبرى في السنوات التي تكثر فيها الأمطار يرتفع فيها منسوب الماء إلى أبعد الحدود، ويتراجع كثيرا في سنوات قلة الأمطار، ولنا أن نسأل هنا، هل ما انتهى إليه ماء السد يعتبر من مساحته ولا يميته الاندراس؟ أم ثمة استثناء؟ وإن كان فمتى يكون؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين؛
وبعد: فإن استثمار الأرض بالحرث والغرس والزراعة فيها من الأمور المرغب فيها شرعا، بل إن من أهل العلم من جعل ذلك من أفضل أنواع الكسب لما فيه من التوكل ولما يترتب عليه من منافع الآدمي والحيوانات والحشرات، فله بكل ما أكل منها أجر وصدقة كما في حديث جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" مَنْ أَحْيَى أَرْضًا مَيْتَةً، فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ".
وحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"2، ولأنها من عمل اليد الذي هو أطيب الكسب فقد قال عبد الله بنِ عُمَرَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَطْيَبِ الْكَسْبِ؟ فَقَالَ»: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ « .
قال بدر الدين العينى: أنواع المكاسب الزِّرَاعَة وَالتِّجَارَة والصناعة، وأيها أطيب؟ فِيهِ ثَلَاثَة مَذَاهِب للنَّاس ...، وَالْأَشْبَه عِنْدِي أَن الزِّرَاعَة أطيب لِأَنَّهَا أقرب إِلَى التَّوَكُّل. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَحَدِيث البُخَارِيّ صَرِيح فِي تَرْجِيح الزِّرَاعَة والصنعة لِكَوْنِهِمَا عمل يَده.
والحرث في الأرض أحد وجوه الإحياء الموجبة للاختصاص بالموات منها لحديث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم، قَالَ: [مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً، فَهِيَ لَهُ]. وقد ورد الإحياء في الحديث مطلقا فما جرت العادة بأنه إحياء عد كذلك على ما حكي ابن شاس في عقد الجواهر حيث قال: والمرجع في حده إلى العرف بأن يفعل في الأرض ما تقضي العادة بكونه إحياء لمثلها ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَطْلَقَ الْإِحْيَاءَ فَيَتَقَيَّدُ بِالْعَادَةِ وكذا قَالَهُ الشافعي.
وقد أشار خليل في مختصره إلى سبعة أمور يقع الإحياء بها اتفاقا وثلاث مختلف فيها بقوله: وَالْإِحْيَاءُ بِتَفْجِيرِ مَاءٍ وَبِإِخْرَاجِهِ وَبِبِنَاءٍ وَبِغَرْسٍ وَبِحَرْثٍ وتحريك أرض وبقطع شجر وَبِكَسْرِ حَجَرِهَا وَتَسْوِيَتِهَا لَا بِتَحْوِيطٍ وَرَعْيِ كَلَإٍ وحفر بئر ماشية.
وينبغي استئذان السلطة عند إرادة الإحياء وخصوصا فيما كان قريبا من العمران فإنه لا بد في إفادته الاختصاص من إذن الإمام قال أبو المودة في مختصره: وَافْتَقَرَ لِإِذْنٍ وَإِنْ مُسْلِمًا إنْ قَرُبَ وَإِلَّا فَلِلْإِمَامِ إمْضَاؤُهُ أَوْ جَعْلُهُ مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِ الْبَعِيدِ .
ومن المعلوم فقها أن: موات الأرض ما سلم عن الاختصاص بعمارة ولو اندرست إلا لإحياء .
قال الحطاب: والموات بفتح الميم ويقال موتان بفتح الميم والواو، الأرض التي ليس لها مالك ولا بها ماء ولا عمارة ولا ينتفع بها إلا أن يجري إليها ماء أو تستنبط فيها عين أو يحفر فيها بئر ويقال لها ميتة.
فكل ما هو معمور غير موات ولو اندرست عمارته، وقد ذكر فقهاؤنا أن العمارة إذا اندرست وكانت ناشئة عن ملك كإرث، أو هبة أو شراء فالاختصاص باق ولو طال زمن الاندراس اتفاقا، وإن كانت لإحياء فهل الاختصاص باق، أو لا؟ قولان؛ فالأول يقول إن اندراسها لا يخرجها عن ملك محييها ولا يجوز لغيره أن يحييها وهي للأول إن أعمرها غيره ولو طال زمن اندراسها، وهو قول سحنون؛ والثاني يقول إن اندراسها يخرجها عن ملك محييها ويجوز لغيره إحياؤها وهو قول ابن القاسم وعلى الثاني درج المصنف ـ خليل ـ ولكنه مقيد بما إذا طال زمن الاندراس كما في التوضيح عن ابن رشد .
ويحصل الاختصاص بالإضافة إلى الإحياء بإقطاع السلطة الحاكمة، ولا يحتاج إلى إحياء، فمن كان له نصيب من الأرض بواسطة الإقطاع اختص به دون غيره، ففي مختصر أبى المودة ممزوجا بكلام شارحه الدردير: وبإقطاع الإمام عطف على بعمارة أي ويكون الاختصاص بسبب إقطاع الإمام أرضا من موات، أو من أرض تركها أهلها لكونها فضلت عن حاجتهم ولا بناء فيها .
من هنا فإن من أقطعته السلطة الحاكمة أو أحيي أرضا مواتا بما اقتضت العادة أن يكون إحياء لمثلها اختص بها وكانت ملكا له، ومما نص عليه الفقهاء أن من حفر بئرا للزراعة اختص بها وبالأرض التي تزرع عليها كما جزم بذلك الفيشي وارتضاه البناني، وكذا من أزاح الماء عنها بقصد الزراعة أو الغرس .
هذا وقد تستلزم زراعة الأرض إقامة السدود لجمع مجاري المياه في مستقر واحد بغية التحكم والإزاحة عند الحاجة وبقدرها، فإذا تم تجميع المياه بسد في مساحة موات بقصد زراعتها اختص صاحب السد بتلك الأرض دون غيره.
وإذا امتدت مياه السدود في بعض السنوات بكثرة النازل من الأمطار إلى موضع لم تكن تصله من قبل فصاحب السد أحق به لأنه إنما حبس الماء بقصد زراعة ما ينكشف عنه، والإحياء بما جرت به العادة، على ما تقدم في الجواهر، ولأن بعض فقهاء المذهب أفتي بأن الأرض الموات التي انكشف عنها ماء السيول أو الأنهار تكون لصاحب الأرض الذي يلي مجري الماء، فبالأولى أن تكون هذه الأرض للذي انحسر عنها ماؤه إذا لم تكن ملكا لأحد قبله.
وبناء على ما سبق فإن هذه السدود الجماعية إذا كان قد تم الحصول عليها بواسطة إقطاع فالمعتبر في تحديد مساحتها: ما هو محدد فيه، وتراعى حدود الأملاك إذا كانت محفوفة بها، وإن كان الحصول عليها بإحياء فمساحتها حدود ذلك الإحياء، وإذا كان ما يمتد إليه الماء في بعض السنوات سبق أن زرع فقد ملك بزرعه، ولا يندرس ملكه بعدم وصول الماء إليه، وإن لم يكن زرع فأهل السدود أحق به أيضا لأن جري الماء إليه الحاصل بسبب السد إحياء له، لأنه هو الذي جعله صالحا للزراعة ولا سيما إذا كان ذلك هو العرف.

والله الموفق.

بـــحــث
     
 خدمات