السؤال: ما حكم من قال لزوجته: "أنت طالق إلى يوم القيامة"؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله؛
وبعد: فإن قول القائل لزوجته: أنت طالق أبدا، أو إلى يوم القيامة محل خلاف بين الفقهاء؛ هل اللازم فيه ثلاث، أو واحدة.

ومنشأ هذا الخلاف بينهم الاختلاف في فهم المراد بالاستمرار المفهوم من الغاية، وذكر الأبد؛ هل يرجع إلى مطلق الطلاق؟

فالمعنى: أنت طالق ويستمر طلاقك أبدا، أو إلى يوم القيامة. ومطلق الطلاق إنما تلزم منه الواحدة، وبالإغياء والأبدية يستمر طلاقها: أي أثره وهو المفارقة ما لم تقع مراجعة، وهذا ما فهمه ابن يونس، أو المراد به استمرار الطلاق في جميع أزمان العصمة المملوكة له، فاللازم على هذا ثلاث، لأنها جميع ما يملكه، وبهذا جزم ابن رشد.
عليش: (أو) قوله أنت (طالق أبدا) فاللازم (طلقة) واحدة ... على فهم ابن يونس. المدونة. بجعل الأبدية لمطلق الفراق الشامل للسني إذ المعنى: أنت طالق، واستمر طلاقك أبدا أو إلى يوم القيامة، وهو إذا طلقها واحدة ولم يراجعها فقد استمر طلاقها، وهذا ظاهر المدونة عند ابن يونس، وظاهرها عند ابن الحاج، وجزم به ابن رشد أنه يلزمه ثلاث لجعل الأبدية للفراق في أزمان العصمة المملوكة له، وذلك بالثلاث.
ونص ابن يونس: "ومن المدونة قال مالك رضي الله عنه: من خلع إحدى امرأتيه فقالت الأخرى ستراجعها فقال: هي طالق أبدا ولا نية له إن تزوجها طلقت منه مرة واحدة وكان خاطبا.
ومن غير المدونة: فيمن قال لامرأته أنت طالق أبدا أنها ثلاث، وحكي عن بعض القرويين أن هذا ليس بخلاف للمدونة، وأن معنى مسألة المدونة إنما وقع التأبيد على الرجعة: كأنه قال لما قالت له امرأته ستراجعها قال: إن راجعتها أبدا فهي طالق، فلذا ألزمه طلقة".
وصوب بعض أصحابنا هذا القول:
ابن يونس: "وظاهر المدونة خلاف هذا وأنه إنما أراد التأبيد على الطلاق، لأنه لما قالت له امرأته ستراجعها قال لها هي طالق أبدا يريد إن راجعها فعلى هذا التأويل يصير في قوله أنت طالق أبدا قولان: قول إنه واحدة، وقول إنه ثلاث" .
المواق: "وأما طالق أبدا ففي نوازل ابن الحاج: إن قال لزوجته أنت طالق إلى يوم القيامة فهو كقوله أنت طالق أبدا، ظاهر المدونة أنها ثلاث وقد يستدل منها أنها واحدة، والذي لابن رشد: إن قال لأجنبية إن تزوجتك أبدا فأنت طالق فلا خلاف أنه إذا تزوجها وحنث فيها لا تعود عليه اليمين، وإن قال لزوجته أنت طالق أبدا فهي ثلاث" .

الخرشي: "وكذلك يلزمه طلقة واحدة إذا قال: أنت طالق أبدا أو إلى يوم القيامة لأن معنى أنت طالق واستمر طلاقك أبدا وهو إذا طلقها واحدة ولم يراجعها فقد استمر طلاقها أبدا" .

الدردير: "والراجح في الأخير:(أنت طالق أبدا) لزوم الثلاث لان التأبيد ظاهر فيها، كما هو ظاهرها عند ابن الحاج وجزم به ابن رشد" .

الدسوقي: "وإنما لزمت الواحدة لأن المعنى أنت طالق ويستمر طلاقك أبدا أو إلى يوم القيامة وهو إذا طلقها ولم يراجعها استمر طلاقها أبدا أي استمر أثر طلاقها وهو مفارقتها أبدا أو إلى يوم القيامة" .

الكصري:" سؤال عمن قال لزوجته: أنت طالق إلى مطر يوم البعث، هل يلزمه في هذا طلقة واحدة أو أكثر؟ جوابه: أنه لا يلزمه إلا واحدة، لما في مختصر خليل وشرحه لعبد الباقي، قلت: والطلقة المذكورة رجعية حيث لم يقابلها عوض ولم تكن آخرا لثلاث وكانت المرأة مدخولا بها، وهذا ظاهر لا خفاء فيه عند من له بصيرة ومعرفة بالفروع المذهبية" .

وفي أحكام القرآن لابن العربي عند تفسير قوله تعالى: لا تقم فيه أبدا...: "وقضى فقهاء الإسلام أن لو قال رجل لامرأته: أنت طالق أبدا، طلقت طلقة واحدة" .

وبناء على هذا فإن الرأي المفتى به عندنا لزوم الواحدة الرجعية في كلتا العبارتين اعتمادا على رأي ابن يونس المشهور في المذهب.

والله الموفق.