السـؤال: هل يجوز ما جرى به العرف عند بعض القبائل من إسقاط الدية عن الجاني وتعويض ولي الدم نصف الدية فقط رغم ما يترتب على ذلك في نظرنا من:
1 – تشجيع الجناة؛
2 – العفو قد يكون حياء، لا عن طيب نفس؛
3 – بالعفو سقطت الدية فلم الأخذ من الأفراد؟
4 – هذا الإجراء قد يكون اتخذ من بعض الناشطين فحسب دون اجتماع عام في القبيلة؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه.
وبعد: فإن الشرع الإسلامي قد أوجب في قتل المسلم أخاه خطأ دية وكفارة، هذه الكفارة جابرة لما بينه وبين الخالق والدية جبر لما بينه وبين المخلوق، وقد جعل الشارع الدية في قتل الخطأ على عاقلة الجاني تخفيفا عليه لكونه مخطئا وتوثيقا لعرى التآزر والتناصر، وتحقيقا لمبدأ التعاون على البر والتقوى، قال تعالى:[وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان].
وهذه الدية حق للورثة يملكون التصرف فيه، سواء قلنا إنها حق ملكه الورثة ابتداء بسبب موت المورث، أو قلنا هي ميراث كسائر ما يخلفه الميت.
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدية ميراث، كما في مسند الإمام أحمد.
وقد ندب الشرع إلى العفو عموما وإلى العفو عنها خصوصا حيث سماه صدقة، غير أن العفو المستحب ما صاحب الإصلاح، قال تعالى: [فمن عفا وأصلح فأجره على الله..].
ومصاحبة الإصلاح لا تتحقق فيمن صدر منه العفو إلا إذا توفرت أهلية التبرع التي هي:
1- الرشد
2- طيب النفس
وبناء على ما تقدم فإن إسقاط الدية لا يعتبر من غير المستحق لها لكونه لا يملكها، ولا يسقط الحق إلا من يملكه، ولا يصح من المستحق غير الرشيد للحجر عليه، ولا من المستحق الرشيد إذا لم تطب به نفسه، لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفس.
وأما التعويض المسؤول عنه والمراد به أن يتحمل عصبة المجني عليه عن عاقلة الجاني، فإن ذلك أمر سائغ شرعا إذا وقع التحمل ممن فيه أهلية التبرع المعروفة، غير أن جعل ذلك مقصورا على نصف الدية يتوقف على رضى المستحق بذلك ممن توفرت فيه شروط العفو دون غيره، فلا يصح منه الرضى بذلك ولا يعتبر قبوله.